wt_fDtXOHDwq2bPONdN2n4_S_po بني يلمــــــان: مأساة بني يلمان وملوزة مؤامرة دنيئة خطط لها جنرالات فرنسا

مأساة بني يلمان وملوزة مؤامرة دنيئة خطط لها جنرالات فرنسا


.رد وتعقيب حول تصريح الرائد عمر رمضان حول الجبهة والمصاليين الذي نُشر بيومية "الموعد اليومي في العدد 407 بتاريخ 19 جوان 2012:السلطات المدنية والعسكرية الاستعمارية المتسبب الرئيس في قضية بني يلمان 

الجزء الثاني والأخير : وقد ساعد على هذا الوضع المتأزم والذي تطرقنا إليه في الحلقة الأولى من هذا الموضوع، عدة عوامل يمكن حصرها فيما يلي:
- تنصّل قيادة الولاية الثالثة التاريخية من ملابسات وتبعات الحادثة، وتناقض أقوال وتصريحات بعض قادتها، فالمرحوم العقيد السعيد محمدي باعتباره قائد الولاية آنذاك، صرح في أكثر من مناسبة بعدم علمه بما صار يُعرف بـ "مجزرة ملوزة"، ويحمّل المسؤولية كلا من الشهيدين العقيد عميروش قائد المنطقة والشهيد النقيب أعراب عدان، وبقدر أكبر، الشهيد الملازم
الأول عبد القادر عزيل المدعو السحنوني- البريكي، الذي قاد ونفّذ العملية دون "استئذان القيادة"، كما قال، ورد هذا التصريح في رسالة وجّهها المعني سنة 1984 إلى أحد المهتمين بالقضية. وقد أكد هذه الأقوال في مقابلة صحفية بواسطة الهاتف، نشرها الكاتب الصحفي حكيم توفيق على صفحات أسبوعية "الجزائر الأحداث" (ALGERIE ACTUALITE) العدد 1355 المؤرَّخ في 03/10/1991. وفي نفس الحوار ثمّن معترفا بالقرار الذي اتخذه البريكي، وساخرا، في نفس الوقت، من تلك المرأة العجوز من ملوزة (يقصد من بني يلمان) التي" تذرف دموع التماسيح " بعد 32 سنة من الحادثة على أقاربها الذين فقدتهم آنذاك؛ وهذا تعليقا على السلسلة الوثائقية التي عرضتها القناة الفرنسية الثانية تحت عنوان: "السنوات الجزائرية" للمؤرخ الفرنسي ذي الأصول اليهودية بنيامين ستورا، وهي السلسلة التي أنجزها المؤرخ ببني يلمان سنة 1989، حسب الأسبوعية نفسها.
- الكتابات التاريخية الوطنية منها والأجنبية (مؤلفات، مقالات وتصريحات صحفية)، والتي اتسم معظمها، بالمغالطة والتعتيم تجاهلا، أو بالاقتضاب والسطحية جهلا، ونذكر على سبيل المثال بعض العيّنات منها:
- المرحوم أحمد توفيق المدني في كتابه: "حياة كفاح" الجزء الثالث. وقد استدرك الأستاذ الفاضل ما كتبه في هذا الجزء، مصححا ما كان يظنه الحقيقة التي روّج لها الإعلام الفرنسي بشكل رهيب، كما يقول هو نفسه.
- الأستاذ رابح بلعيد، في كتابه: "تاريخ الجزائر الحديث"، فبالإضافة إلى الاقتضاب الذي اكتنف وقائع الحادثة فقد كانت المعلومات، إن صح أن نسميها معلومات، بعيدة حتى عن الرواية الفرنسية، وما كتبه الأستاذ بلعيد كان إذن، مجانبا للحقيقة.
- الأستاذ يحيى بوعزيز في كتابه: "الثورة في الولاية الثالثة 1954-1962".
والمؤلف مؤرخ أكاديمي متمرس، وهو بالإضافة إلى ذلك ابن المنطقة؛ مما جعلنا ننتظر منه عملا أكاديميا رصينا، يجلي فيه الحقيقة بكل شجاعة
وموضوعية. لكن ما ميز هذا العمل من سطحية كان صدمة وخيبة أمل شديدة وغير منتظَرة إطلاقا، فلقد قلّص تاريخ الولاية الثالثة المليئ
بالأحداث والبطولات، بصورة مخلة، سواء من حيث المنهجية والمادة التاريخية أو توثيقها، إذ حصره في قريته (الجعافرة) وشطب بجرة قلم واحدة، جهاد مناطق عديدة من هذه الولاية الثالثة الرمز، فملوزة من أهم مراكز القسم الرابع، الناحية الأولى، المنطقة الثانية من الولاية الثالثة التاريخية، وهي تحصي العديد من الشهداء والمجاهدين الأحياء، لم تُذكر لا في خريطة التقسيم الإداري الرسمي المعتمَد من طرف الثورة، ولا في الأحداث الدامية التي روّعتها خلال السنوات الخمس الأخيرة للثورة التحريرية؛ فأي إجحاف وأي استخفاف بالتاريخ وبدماء الشهداء أكثر من هذا؟!!
- الباحث الأستاذ محمد عباس، ومن خلال مقالاته الصحفية وكتبه العديدة، نجد أنه الوحيد الذي أولى الحادثة كل ما تستحقه من بحث واستقصاء، فقد تنقّل إلى عين المكان رفقة صحفي التلفزيون الجزائري بلقاسم جعافرية، ولم يكتف بالنقل المخل، كما فعل غيره، فكان في عمله أمينا ومؤرخا يجيد استعمال أدواته ويحترم قراءه!!
- الباحث والمؤرخ محمد حربي في العديد من مؤلفاته الفردية أو المشتركة مع مؤرخين آخرين أمثال بنيامين ستورا، زكية داود، جيلبير مينيي. وتتجلى الحقيقة أكثر في المؤلفين الهامين، الأول: جبهة التحرير، وثائق وتاريخ
لصاحبه محمد حربي، والثاني: التاريخ الداخلي لجبهة التحرير الوطني، لـصاحبه جيلبير مينيي؛ إذ احتوى هذان المؤلفان، ولأول مرة، وثائق رسمية ومعلومات دقيقة عن الحادثة تحدد مسؤولية كل طرف، وهي، في نظرنا، أدوات يمكن
استغلالها بطريقة إيجابية في إنهاء الجدل القائم حول هذا الموضوع، هذا بالإضافة إلى كتابات المؤرخين الأجانب خاصة الفرنسيين منهم، وقد
ذكرنا بعضهم، وهؤلاء كلهم يتفقون على تلك التسمية والرواية، اللتين رسّخهما الإعلام الفرنسي لحاجة في نفس يعقوب؛ ذلك أن السلطات الاستعمارية المدنية والعسكرية المتسبب الرئيس في حادثة بني يلمان وكل المآسي التي عرفتها الجزائر إبان تلك الحقبة وبعدها... تمتلك وبدقة، كل المعطيات وتعرف كل الملابسات المتعلقة بتلك الأحداث المؤلمة، كما أنها تدرك جيدا الفروق الجغرافية والإدارية بين القريتين، وهذا منذ 1863 تاريخ إصدار القانون المتضمن تحديد الملكية الجماعية وإنشاء التجمعات المختلطة؛ أي تلك الوثيقة التي تحمل اسم "مجلس الشيوخ" أو "الأعيان، وتتضمن عملية مسح جغرافي وإداري لملكيات الأهالي العقارية!!
 صمت الجهات سمح بفتح المجال للتأويلات
- الصمت المطبق الذي التزمته ضمنيا الجهات الرسمية الجزائرية منذ الاستقلال، وهو ما فتح الباب على مصراعيه لكل التأويلات المغرضة
والتخمينات العشوائية أو الاجتهادات المبتورة، وكأن الحادثة وقعت في عصور ما قبل التاريخ أو في جزر المالديف! وبالتالي تصعب أو تستحيل الإحاطة بكل أسبابها وخلفياتها وملابساتها الظاهر منها والخفي، ونسوا أو تناسوا أن الإعلام العالمي بكل أنواعه المكتوب والمسموع والمرئي، قد نقل وقائع هذه الحادثة نقلا زمكانيا مباشرا، وبالتالي فإنها تدخل في خانة التاريخ الأصلي؛ وإذن فإنه لا يمكن أن "تُغطي الشمسَ بالغربال!!". والمضحك المحزن في نفس الوقت أن تستمر وعلى المستوى الرسمي، الرواية الاستعمارية دون تمحيص أو تصحيح. وأكبر دلـيـل على ما نقول ما ورد في القرص (CD-ROM) الهام والخطير في آن واحد، الذي أنجزته وزارة المجاهدين بمساعدة "أرمادة" من الهيئات والمؤرخين والأساتذة الجامعيين المتخصصين في تاريخ الحركة الوطنية وثورة أول نوفمبر 1954.
 أخطاء جسيمة بسبب السلبية واللامبالاة
والحقيقة التي نستخلصها بكل أسف ومرارة من هذه الأخطاء الجسيمة والتي تفاقمت وما تزال؛ بفعل الغياب المزمن لمؤسسات الدولة أو سلبيتها،
هي استمرار إلحاق الأذى وزرع بذور الفتنة بين الأشقاء، وهو المسعى الذي أفلحت في تنفيذه بالأمس مصالح العمل البسيكولوجي الفرنسية، حيث تمكنت من اختراق صفوف الثورة عبر بعض المجنَّدين ضمن صفوفها أو المواطنين والتجمعات السكانية الموالية للحركة الميصالية المناوئة، وهذا بتدمير أهم بنية ولحمة تنصهر فيهما مقومات شخصية الإنسان الجزائري، ألا وهي كرامته وشرفه. وقد تجلى هذا في بداية الأمر، في الحالة المدنية بصفة عامة (الأسماء والألقاب)، ثم تطور الأمر إلى البنية الاجتماعية للمجتمع الجزائري ومحاولة إثارة النعرات الإثنية والقبلية المقيتة؛ فمأساة بني يلمان وملوزة
والمؤامرات الدنيئة التي خطط لها جنرالات فرنسا في عدة جهات من الوطن، تندرج في إطار هذا المسعى، وهي خير دليل على الاستراتيجية التي انتهجها العدو عندما فشل في وقف الزحف المظفّر للثورة التحريرية بقيادة جيش وجبهة
التحرير الوطني.
 أحجار هذا الوطن هم سكانه بالأمس واليوم وغدا
ومما تقدم ذكره يجب أن نقر بأن كل عمل إنساني مهما سما وتسامى يحمل في طياته أسباب إخفاقه، ومن ثم زواله أو انبعاثه من جديد. والحركة الوطنية عامة والثورة التحريرية خاصة، عبر مسارهما الحافل بالانتصارات والانتكاسات أيضا، قد تحدّتا بكل نجاح وعبقرية نادرة، الكثير من المعضلات التي كان يُعتقد أنها مستعصية أو مستحيلة، وحيث أن رجالات نوفمبر مازال
الكثير منهم يرفلون في سرابيل نعمة الحياة والحرية، فإن الأمل باق في هؤلاء، وعلى رأسهم فخامة رئيس الجمهورية المجاهد عبد العزيز بوتفليقة، من أجل رفع التحدي مرة أخرى، وتمكين الإنسان الجزائري من استعادة ما حاول المستدمر يائسا طيلة قرن وثلث القرن، انتزاعه منه وبشتى الوسائل، لكنه فشل فشلا ذريعا، فارتحل يجر أذيال الخزي والعار، يسوق أمامه قطيعا من الخراف الضالة من إذنابه وزبانيته من دعاة "الجزائر الفرنسية"، ولم يبق بالدار إذن إلا أهلها أو كما يقول المثل الشعبي: "ما يبقى في الوادي غير أحجاره"، وأحجار هذا الوطن سكانه بالأمس واليوم وغدا، وإلى أن يرث الله الأرض ومن عليها، إنهم معدن نفيس لا تخبو شعلته ولا ينقرض أصله مهما كانت الأنواء والأجواء، فلا وطن لهم إلا الجزائر: فضاء آمن وأمّ رؤوم؛ فما
أكبر الوطن عندما يكبر رجاله وتسمو هاماتهم على الصغائر، فتتحررالعقول وتصحو الضمائر!!
وفي هذا السياق وكما تمت الإشارة إليه، فإن العقوبات الجماعية التي نفّذتها قيادة الثورة التحريرية، في بعض العناصر أو المجموعات السكانية المشتبه في انتمائها آنذاك إلى جهات معادية للثورة، خاصة بالولايات التاريخية الثالثة والرابعة والسادسة، قد تمت في ظروف جيوسياسية وتاريخية استثنائية، أفرزتها ظروف الثورة التحريرية في مواجهتها متعددة الجبهات، ممثَّلة في قوات الجيش الفرنسي وعملائه والحركة الميصالية المتنامية، ناهيك
عن تلك الظروف الصعبة التي عرفتها، على وجه الخصوص، الولاية الثالثة من حيث ضعف جهازها الإداري وإمكاناتها اللوجيستيكية كنتيجة لاختراقات العدو لها عدة مرات وإحكام حصاره عليها؛ باعتبارها الرئة التي تتنفس بواسطتها
الثورة التحريرية، مما أدى إلى صعوبة التحرك والتواصل والتنسيق داخل الولاية وخارجها، وهي، في تقديرنا، عامل من العوامل الضاغطة التي أربكت بعض القادة المحليين، فتجشّموا بعض المخاطر؛ ظنا منهم أنها الحل الأمثل لما اعتقدوه مظاهر تمرد وعصيان، وقد أكسبها تسارع الأحداث كل مبررات التنفيذ دون تريّث أو تروٍّ، وهي استراتيجية أقرها الستة عند إعلانهم الثورة، حين منحوا القيادات المحلية، وهي تمارس حربا غير متكافئة عدة وعددا، هامش حرية
أوسع لاتخاذ القرار الملائم في الوقت الملائم دون العودة إلى القيادة المركزية، إلا أن هذه الاستراتيجية، وبسبب نقص الخبرة العسكرية وضعف التكوين السياسي والعقيدي في بداية الثورة، أدت في بعض الأحيان إلى اتخاذ قرارات متسرعة أو انفعالية، تعبّر أحيانا عن مزاجات شخصية وظرفية، فكانت نتائجها عكسية إن لم نقل وخيمة على مسيرة الثورة محليا ونشاطاتها
الدبلوماسية دوليا آنذاك، وهي اليوم مطية للتهجم والتشكيك في قدرات الثورة وإخلاص رجالاتها.
وفي المقابل، ينبغي العمل على إيجاد إرادة
سياسية تتمخض عنها آليات قانونية عملية، تتيح تجاوز هذه المعضلة المزمنة، وتستأصل أسباب استمرارها بعد ما يقرب من نصف قرن من الانعتاق والحرية!
وعليه، وفي إطار ترتيبات السلم والمصالحة الوطنية بمعناهما الواسع، وللقضاء على كل العوامل المتسببة في استفحال ثقافة العنف والكراهية بين أبناء الجهة أو الوطن، وهي ثقافة الحقبة الاستعمارية البائدة، والتي ما انفكت مع الأسف الشديد، تشكل بؤرا من التوتر والاحتقان السياسي والاقتصادي والاجتماعي، محدثة آثارا مدمرة في بنية المجتمع... نقول إن الظرف مناسب للقيام بإجراءات عملية ومدروسة بجدية، يتم من خلالها رد الاعتبار، ولو معنويا، للمتضررين من الأحداث المأساوية التي وقعت إبان الثورة التحريرية أو بعد الاستقلال، ردا على دعاة تمجيد الاستعمار من غلاة الكولون وأبنائهم، الذين ما فتئوا يبررون، بكل وقاحة وعنجهية، ما
اقترفه آباؤهم من جرائم ضد الإنسانية، وينفون عن أنفسهم في تناقض صارخ، كل مسوؤلية! وجدير بالتذكير أن المعنيين بهذا الإجراء مع محدودية عددهم، قد كانوا ضحايا ظروف استثنائية وقاهرة أحيانا، كما أن أكثرهم لم
يعودوا موجودين. أما الذين يعانون الآثار السلبية للأحداث سالفة الذكر، وهم الأغلبية من جيل الاستقلال، فإن من الخطأ أن تستمر معاقبتهم معنويا وبأثر رجعي، على جرم لم يقترفوه سواء بحكم سنهم، التي لا تسمح بتجريمهم آنذاك، أو استحالة ثبوت التهمة ضد كل الراشدين منهم.
إن المعالجة الشجاعة والمسؤولة والحكيمة أيضا لهذه الأحداث المأساوية التي مازالت جراحها
نازفة إلى يومنا هذا، هي أكبر معضلة يجب الإسراع في حلها، كعمل إنساني وحضاري يحرر الكثير من الجزائريين من عُقدهم ومخاوفهم وأوهامهم وكذا أحكامهم المسبقة، التي كثيرا ما أعاقت تفاعلهم الإيجابي مع ترتيبات ميثاق
السلم والمصالحة الوطنية واندماجهم الواعي والمسؤول في ميدان التنمية الشاملة، التي تخوضها الجزائر منذ الاستقلال لكن دون جدوى! كما إنه، في نفس الوقت، كتابة جديدة وصحيحة لهذه الأحداث التي اكتنفتها روايات غامضة
ومحرَّفة، شوّهت، مع الأسف، تاريخ الثورة التحريرية العظيمة، وجعلت من رجالها الأفذاذ مادة إعلامية مبتذَلة تعزز أطروحات العدو بالأمس واليوم!
وخلاصة القول، يجب أن نقر جميعا بأن الثورة التحريرية كانت، فعلا، عظيمة وصارمة يوم كانت الصرامة والانضباط شعارها، والسرية والكتمان
سلاحها. واليوم، وقد تحقق أهم ما كنا نصبو إليه من حرية وسيادة، فما يمنع أن يكون الوطن عظيما ورحيما، يسمو فوق الجميع، فيأخذ بيد أبنائه الذين ضلوا الطريق بالأمس واليوم، ثم ثابوا إلى رشدهم، فتابوا وكان ربك توابا رحيما!