wt_fDtXOHDwq2bPONdN2n4_S_po بني يلمــــــان: بعد مجزرة "ملوزة" بني يلمان: بعد جريمة الإبادة. جريمة الصمت

بعد مجزرة "ملوزة" بني يلمان: بعد جريمة الإبادة. جريمة الصمت

53 سنة تمر على مجزرة بني يلمان الشنيعة، والحقيقة لم تقل بعد. الدولة الجزائرية والرئيس بوتفليقة وكل الجزائريين مطالبون اليوم برفع الغبن ومسح دموع عائلات الضحايا الوطنيين، ولا يجب أن تكتفي الدولة بإغاثة ضحايا زلزال بني يلمان الذي ضرب هذا الأسبوع، بل هي مطالبة قبل ذلك بالاعتراف بصفة الشهداء لضحايا جريمة 28 ماي 1957 وإعادة دفنهم كما تقتضيه الشريعة الإسلامية في مقبرة شهداء.. وإن كانت الجيولوجيا وعلوم الزلازل لا تعترف بالظلم والوطنية، فإنه لا يستبعد أن تكون جثث شهداء الجزائر وبني يلمان المردومة عشوائيا قرب مشتى قصبة سببا مباشرا في الهزات الأرضية الأخيرة التي لم تؤد سوى إلى مقتل عدد قليل جدا من الناس مقارنة بزلزال 28ماي 1957

مجزرة ملوزة جريمة بكل المعايير، وستبقى نقطة سوداء في تاريخ الثورة، المسؤول عنها هو سي الناصر، محمدي السعيد (قائد الولاية الثالثة آنذاك، بعد مغادرة كريم بلقاسم التراب الوطني مع أعضاء لجنة التنسيق والتنفيذ، بعد استشهاد العربي بن مهيدي). هكذا أكد لنا السيد لخضر بن طوبال، في حوار أجري معه في أوت 1996 ونشر في يومية "أوزيزون"، وأضاف رفيق الشهيد زيغود يوسف أن سي الناصر لم يحاكم على جريمته، لأنه كان محسوبا على كريم بلقاسم ولاعتبارات جهوية تم التغاضي عن هذه الجريمة.

اليوم، تمر 53 سنة على هذه الجريمة الشنعاء التي ذهب ضحيتها أكثر من 300 رجل، من 16 إلى 90 سنة، ببني يلمان، ليلة الثلاثاء إلى الأربعاء 29 ماي من العام .1957

ورغم البعد الدولي الذي أخذته المجزرة، فإنه لم يكشف عن خباياها حتى اليوم، كونها مجزرة فرنسية، نفذت بأيادي كتيبة من جيش التحرير الوطني تابعة للولاية الثالثة، بقيادة النقيب أعراب، والملازم سحنوني، المدعو عبد القادر البريكي. وعلى عكس ما كتب هنا وهناك، فإن عميروش آيت حمودة بريء من جريمة ملوزة، حيث كان وقتها متواجدا بتونس، ومعه سي الحواس، اللذين استشهدا سنتين بعد جريمة ملوزة ببوسعادة.

في عددها الصادر في جوان 1957 كتبت جريدة "المقاومة الجزائرية"، اللسان الناطق باسم جبهة التحرير، قبل أن تتحول إلى "المجاهد": إن كلمة مجزرة لا تصور الواقع كما هو، ولا يمكن لأية كلمة أخرى أن تصور ما جرى في تلك الليلة الرهيبة.. أكثر من ثلاثمائة رجل قتلوا، وذبحوا وأجهز عليهم بالفؤوس وآلات الحديد.. أكثر من ثلاثمائة رجل ارتفعت أرواحهم إلى السماء في أنهار من الدماء والأنات والآلام.. أكثر من ثلاثمائة رجل قضوا تحت نيران الديار الملتهبة، والمنازل المهدمة.. أكثر من ثلاثمائة رجل ماتوا على أبشع صورة يمكن أن يتصورها إنسان، لأن فرنسا أرادت ذلك ولأن فرنسا في حاجة إلى أن يموت أكثر من ثلاثمائة رجل لتخدم قضية مفلسة، وتنقذ سمعة منهارة، وتؤخر هزيمة محققة.. وتضيف الجريدة ذاتها: "وكل هذه المجازر والتقتيلات والمذابح نسبتها سلطات فرنسا إلى جبهة التحرير الوطني، ونجد في كل هذه المجازر أن المصادر الرسمية الفرنسية تنقل إلينا أن الذين قاموا بتلك المذابح ذكروا في كل مرة أن جبهة التحرير هي التي أمرتهم بذلك القتل.. فأين هي الحقيقة من تلك التصريحات؟ وأين هو الواقع من هذه الشبه، وأين هو الحق من هذه الادّعاءات".

ما ورد في الجريدة صحيح، لكنه أخفى عمدا أو كان يجهل أن الذين ارتكبوا الفعل المادي للجريمة هم جنود من الولاية الثالثة، ومعهم مدنيون من ملوزة والمناطق المجاورة.

وفي ندوة صحفية نظمتها جبهة التحرير بتونس بحضور الصحافة العالمية، أكد مسؤول الجبهة أن جيش التحرير بريء من هذه المجزرة، وطالب بلجنة تحقيق في أسرع وقت ممكن لتبيان الحقيقة، ولاحظ التناقضات في تقارير الصحف الفرنسية، التي تحدثت عن المواجهات بين جبهة التحرير والحركة الوطنية، التي كانت سبب المجزرة في هذه المنطقة، وقال ممثل الجبهة للصحافيين إن منطقة ملوزة كلها تابعة ولا توجد بها الحركة الوطنية، وأن مسؤولها العسكري اسمه "عبد القادر عزيل"، المدعو "سي العربي"، وقدم للصحافيين عسكري قائلا: "أمامكم سي الحواس، عضو جيش التحرير، كافح تحت إمرة مصطفى بن بولعيد، وطلب منهم إعادة قراءة ما ورد في صحفية "فرانسوار" و"لوموند" متناقضا. ورد سي الحواس على الصحافيين قائلا: "إن ملوزة تقع 4 كيلومترات عن مركز عسكري فرنسي، وأن الدوار تحلق عليه طائرات استطلاع يوميا من الثامنة صباحا إلى منتصف النهار وثلاثين دقيقة، وأن معارك عديدة جرت في هذه المنطقة بين جيش التحرير والجيش الفرنسي.

وقال ممثل الأفالان في تلك الندوة الصحفية، المنعقدة يوم 3جوان 1957 بتونس، متسائلا: "كيف يمكن لـ300 رجل من جيش التحرير الوصول إلى ملوزة على الساعة الثامنة والبقاء حتى اليوم الموالي دون إثارة انتباه الجيش الفرنسي المرابط في هذه المنطقة في حالة طوارئ، وهذا رغم إطلاق نيران الأسلحة الأوتوماتيكية وتصاعد الدخان في السماء كما وصفته يومية فرانسوا. وفي الوقت نفسه، تناولت الصحافة العالمية مجزرة ملوزة، وأطلق رئيس الجمهورية الفرنسي ريني كوتي نداء إلى العالم المتحضر يطالبه فيه بالتنديد بالفظائع، مؤكدا أن الفرنسيين أبرياء من هذه المجزرة.

كما طالب محمد يزيد ـ أمام الضغط العالمي ـ الأمم المتحدة بإرسال لجنة تحقيق في مجزرة ملوزة، مؤكدا أن الجيش الفرنسي ارتكبها مباشرة. لكن السيد يزيد قبل وفاته أكد لنا أنه استعمل هذه المراوغة لحفظ ماء الوجه وحماية الثورة، وأنه كان يعلم وقتها أن فرنسا لن تقبل بلجنة تحقيق أممية، كونها ترفض تدويل القضية الجزائرية.

وأصدرت الجبهة في العاصمة منشورا تحمـّل فيه فرنسا مجزرة ملوزة ببني يلمان ويهدد بالانتقام، ويقول يأسف سعدي أن عملية تفجير كازينو الكورنيش، بالجزائر، كان ردا على جريمة ملوزة.

من جهتها، نددت الحركة الوطنية الجزائرية وزعيمها مصالي الحاج بالمجزرة التي ارتكبها ـ كما قال ـ وطنيون مزعومون ضد إخوانهم، في بني يلمان، ونادى الشعب الجزائري إلى التنديد بها، والاتحاد في الكفاح من أجل تحقيق أهداف الاستقلال.

وفي تصريح أدلى به ممثل الحركة الوطنية الجزائرية في الولايات المتحدة الأمريكية، السيد بوحافة، ندد بفظاعة جريمة ملوزة، وندد بمحاولة رئيس الجمهورية الفرنسية ريني كوتي استثمارها لضرب مطامح وكفاح الشعب الجزائري. وقال بوحافة إن مجزرة ملوزة ارتكبها جزائريون ضد إخوانهم، وأكد باسم الحركة الوطنية أن هذه الجريمة لن تمس بشرف الشعب الجزائري، ولا بشرف جيش التحرير الوطني، الذي لم يساهم فيها، إن محاولة الرئيس الفرنسي ريني كوتي تلطيخ سمعة قضيتنا معتمدا على تراجيديا ملوزة أمر مؤسف، إن جريمة ملوزة رغم فظاعتها لا يمكن أن تغسل فرنسا من قتل 30 ألف جزائري خلال السنة الماضية، وأن جريمة ملوزة جريمة ضد الجزائر، ضد الوطنية ومنافية للمبادئ الإسلامية والأهداف السياسية للشعب الجزائري، ولا يمكن أن تكون إلا من تنفيذ يد أجنبية في خدمة أيديولوجيا أجنبية تسير قوة انتهازية سياسية تعكر الكفاح من أجل الحرية.

الحقيقة أعقد من كل ما قيل، لأنه في عام 1962 كان هناك من جمع ما تبقى من نساء وأطفال بني يلمان للقضاء عليهم، كما تؤكده الشهادات، وكانت كارثة أخرى ستقع لولا تدخل رجال من جيش التحرير في المنطقة الثالثة لإنقاذهم.

11 شهيدا بطلا ضحوا بحياتهم رفضا للجريمة

كل شهادات الناجين من جريمة مشتى قصبة يؤكدون أن بعضا من جنود جيش التحرير الذين جاءوا مع البريكي وأعراب حاولوا إنقاذ المواطنين بإنذارهم، وأكثر من هذا، 11 جنديا قتلوا مع مواطني بني يلمان لأنهم رفضوا تطبيق الأوامر بالذبح أو إطلاق النار، رغم علمهم أن ذلك سيكلفهم حياتهم، وتم فعلا إعدامهم ودفنوا بزيهم العسكري مع ضحايا بني يلمان. هؤلاء الجنود الشجعان الوطنيون الحقيقيون تذكرهم عائلات الضحايا، الذين قاموا بدفنهم مع ذويهم بملابسهم. هؤلاء الشهداء الأبطال هم الرجال الصادقون الحقيقيون، يستحقون أن تكتب أسماؤهم بالذهب، وهم الممثلون الحقيقيون للثورة الجزائرية، والمشرفون الفعليون للثورة التحريرية والولاية التاريخية الثالثة.

كما أن واجب الذاكرة والحقيقة يفرض علينا البحث عن أسمائهم، خاصة وأن ملف مجزرة بني يلمان وحقائقها موجود في الأرشيف الفرنسي، حيث استولت القوات الفرنسية على ملف كامل به كل تقارير المجزرة، بعد قتلها عميروش وسي الحواس في 29 مارس 1959 وبشهادة الضابط مقران آيت مهدي أن "أعراب كان واقفا وكان عميروش عندما يأتي يضربه بلكمة في البطن".

وفعلا، فإن النقيب الفرنسي "غامبيط" لم يفلح في ترويض سكان بني يلمان، بعد أن نجح في تنظيم مجموعات مسلحة في المنطقة (دفاع ذاتي) في بني داود وبني هجرس وملوزة. ولأن سكان بني يلمان كانوا مع جيش الحركة الوطنية وجيش الأفالان، فإن الضابط دبر مع مسؤوليه مع المكتب الخامس المؤامرة، مثلما فعل بعده النقيب "ليجي" في الولاية نفسها. ولأن بني يلمان ومشتى قصبة كانتا منطقة إستراتيجية استعصت على الجيوش الفرنسية، بعد انفجار ثورة التحرير، وكانت قبلها مشتى قصبة المحصنة بالصخور مركزا لقيادة بومزراق المقراني (الشيخ المقراني)، خلال ثورة 1871 واتهام سكان بني يلمان بالعمالة المتواصل حتى اليوم كان في البداية اتهاما فرنسيا، لأن التقارير تؤكد أن مكتب الوالي العام لاكوست عندما نقل مجموعة من الصحافيين إلى مكان المجزرة، يومين بعد حدوثها، قال مسؤول الإعلام المدعو "غورلان" للصحافيين: "لا تتكلموا عن المواجهات بين جبهة التحرير والحركة الوطنية، قولوا فقط إن أهل بني يلمان تم القضاء عليهم لأنهم أوفياء لفرنسا".

وللأسف، لم تعتبر الجزائر إلى يومنا هذا ضحايا مجزرة ملوزة شهداء، ولم ينل ضحايا المجزرة حقوقهم حتى اليوم، وتبقى المسؤولية في عنق كل الجزائريين، حاكمين ومحكومين، وهم مطالبون بإيضاح الحقيقة ورفع الغبن والاعتذار لأهالي بني يلمان، قبل مطالبة فرنسا بالاعتذار عن جرائمها في الجزائر، بما فيها جريمة ملوزة.

وفي تصريح لمحمدي السعيد للقناة الفرنسية الثانية في شريط وثائقي بعنوان: "السنوات الجزائرية"، أكد المرحوم محمدي السعيد أن أهل ملوزة خونة، وأنه هو المسؤول عن المجزرة التي أدت حسب زعمه إلى مقتل حوالي .40

ويتضح جليا وبسهولة فائقة للعارفين بقضايا الثورة والتاريخ أن القائد السابق للولاية الثالثة تبنى بافتخار قضية تفوته، ولا يعرف شيئا عن تفاصيلها، رغم أنه كان قائدا للولاية، وربما عدم تحكمه في الأمور التي كانت تتجاوزه هو ما جعل كريم بلقاسم يستدعيه إلى تونس ويعوضه بعميروش آيت حمودة.

وحتى عندما عيـّن محمدي السعيد على رأس قيادة أركان الشرق، اتهم كل من بن طوبال وبوصوف، كريم بلقاسم، أنه كافأه (أي محمدي السعيد) على مجزرة ملوزة.؟

شهادة العجوز "الناوية مناد" قولوا لبوتفليقة: دوّارنا شهيد ولسنا خونة

كنا نطعم جنود جيش الجبهة، ونطعم جنود جيش مصالي. وعندما يأتينا العساكر الفرنسيون، كنت أخفي الرسائل بين شعري وأتعصب عليها، رسائل رجال الاتصالات من المجاهدين. لقد كانت فرنسا تحرق و"تبط" المزاود وتقتل وتأخذ الرجال، وابني هذا أسماه المجاهدون "نصر الدين" عندما ولد، وقد منحوني وثائق وقالوا لي: "عندما تستقل الجزائر ستأخذين حقك". أخفيت تلك الرسائل بين الشعير خوفا من دوريات فرنسا، لكنها تلفت بفعل الماء. والآن، أنا أمامكم كما ترون حالي، أفترش الكتان.

بعدها، 28 ماي 1957 أتانا الجيش، لم نعرف من يكون، جيوش على الأرض وطائرة تحلق من فوق، قالوا لنا: "لكم الأمان".. "لكم الأمان".. "سنجتمع مثل العادة"، غير أنهم قتلوهم يا وليدي، قتلوهم في المدينة (مشتى القصبة)، لم يتركوا شيخا أو مجنونا، أخذوا شبابا وشيوخا وقتلوهم، وبقينا نحن والأطفال. هذه الثورة.. أعطيناها كل ما نملك، حتى الدجاجات والبيض بعناها لندفع قيمة الاشتراك، تبرعنا بالفضة، بالشياه، للجيوش، وعندما جاءوا، كانت الطائرة تحلق من فوق وهم على الأرض (تقصد يوم المجزرة وتتنهد).

قبل ذلك (ماي 1956) جيء المدافع، الطنك، فدمرت المدينة، "الطنك حط في مهنا"، وأحرق الجيش الفرنسي ديار بيت هروش، وهدم ديارنا، وديار بيت عزوز (أولاد عزوز) وهدموا أيضا ديار ضي بن عكوش.. "طيحت يا وليدي فرنسا طيحت".. وعندما يأتينا الجيش الفرنسي، كنا نرتجف، لأنهم ـ في كل مرة ـ يحرقون المكان ويأخذون الرجال، كنا ـ كلما جاء جيش فرنسا ـ نخبئ الكسكسي واللحم في المطامير، وإذا ما قصدنا المجاهدون إلى الوادي المالح، كنا نعمل على مسح آثارهم بالسدرة، كنا نخفي كل أثر لـ(الجرة) خوفا من قدوم الفرنسيين. "جرى فينا الباطل يا وليدي". ونحن لم نستقل حتى اليوم، كل الجزائر استقلت إلا دوارنا، لم يستقل بعد، لم يستقل ونحن شهداء (تنهيدة..) كم خبزنا، وعجنـّا، واحترقنا، و"اتبطينا".. لماذا لا حق لنا الآن؟ "وحدة زوجة شهيد ووحدة ترفد الوقيد"، لماذا؟ لماذا؟ كل هذه الأيادي قد احترقت من الخـَبز والعَجن في عملية "مهنا"، كنا نحمل المجاهدين الجرحى وننقلهم إلى خلوة بجبل خراط، وكان لوصيف بن سعيد يعالجهم، يجبر كسورهم، إيه.. سي بن سعيد رحمه الله.. كنا نحضر لهم الشخشوخة ونطهو لهم الأكل حتى يتعافوا، كنا نطعم المجاهدين ونغسل القشاشب، لقد أطعمناهم وسقيناهم. وعندما استقلت الجزائر، لم نستقل نحن، لم نظفر بشيء، لا من الجيش ولا من فرنسا، لم نربح استقلالنا.

لقد جاءوا في مثل هذا الشهر، كان الجو حارا، جاؤوا وقت الفجر، عندما كان البعض يتوجه إلى عمله في الحصاد، والآخرون كانوا في بيوتهم، إنهم "جنود"، قصدونا وقالوا لنا: "لكم الأمان"، ثم جمعوا الرجال وأخذوهم إلى مشتى قصبة، وهناك قتلوهم، لم يستثنوا الراعي ولا الخماس ولا الشاب ولا الشيخ ولا المجنون، لقد كان الرجال متعودين على الاجتماعات، وكانوا يأخذون معهم النقود لدفع الاشتراكات، كانوا يفعلون ذلك خفية عن أعين الفرنسيين، وكان (القاوري) الفرنسي عندما يهجم جيشه على الدوار يقول: "كلهم فلاقة" Tous Fellagas.

لكن يومها، كانت الطائرة ترصد وتضرب، لقد قصفت تاقوست وقتلت الناس والحيوان، وفي المساء، أي وقت المغرب، كنت في الشرشارة، فسمعت البارود في المدينة (مشتى قصبة)، وفي الصباح، عندما صعدنا، وجدناهم موتى مذبوحين وجثثهم متراكمة فوق بعضها، بعضهم جيء به من المقطع، والبعض الآخر جيء به من المداشر الأخرى، لقد أعملوا فيهم السكاكين والرصاص.

وجدنا جنودا في "باب السور"، لقد قتلوهم هم أيضا لأنهم رفضوا أن يشاركوا في المذبحة، هناك جندي مدفون رفقة "دادا محمد" بثيابه، وجثث خمسة آخرين أو ستة موجودة بباب السور، وقد رميوا بالرصاص، لأنهم قالوا: "لقد أكلنا عندهم وشربنا، لذلك سوف لن نقتلهم". دفناهم بثيابهم. يومها، قصفت الطائرة بن سعيد بن مسعاي، وقتلت أيضا امرأة وثلاثة أطفال، وكذلك الماشية في تاقوست، وقتل سي حمدي في السانية، وولد سعيد بن قويسم ذبح في القبر، أما في مس

جد "الجمعة"، فقد وجدت أبي مذبوحا، دادا محمد أيضا مذبوحا، وكان كل من بورحلة وبوقروة مقيدين وموتى على باب المسجد.

في مسجد "الصديق"، كان هناك شباب مذبوحون، من بينهم شبان مجندين مع مصالي، وقد أحرقوا أرجلهم، "آه يا وليدي ما صار فينا" (تئن)، يا ولدي ما نظنهم جزائريين.. دفنا الضحايا بـ"شلايقهم" (بثيابهم)، هناك آخرون أخرجناهم من الجبانة، وفتحنا القبور لنواريهم بها، كان ذلك في الجبانة القديمة، ثم ردمنا الآخرين. في تلك الأثناء، جاء الفرنسيون يا وليدي.. "هذا ما ناخذ من الدنيا" (مشيرة إلى شبر من الأرض).

أنا أظن أن فرنسا هي التي قتلتنا (تنهيدة قطعها أحد الأبناء مشيرا إلى سحنوني المدعو البريكي): جاء السحنوني على ظهر "كيدارة" (أي الحصان) من جهة ضي بن هروس، لقد أحرقوا ديار ضي الهروس وولاد سياح، قبل مذبحة مشتى قصبة، في ذلك الوقت كنت صغيرة، وكنت أخبئ الرسائل داخل شعري، كنت أذهب إلى المدينة، أقمنا الحراسة، وكان المجاهدون يزوّدوننا برسائل.

كنا في المَديَر، كنا نسكن في بوملوك، لطالما مشينا ليلا لنحمل الرسائل ونعطي المجاهدين الاشتراكات، ولنقدم إليهم الأكل.. كنا فقراء، نبيع دجاجنا وبيضنا لندفع الاشتراك. وفي معركة مهنا (معركة جبل بوخدي)، نقلنا المجاهدين "المكاسير" (المجروحين)، ومنذ يوم مهنا أيضا، جاءت الطائرات والطنك لقتلنا، و"الرب ما قدرهاش"، كان الفرنسيون كلما حلوا بالمكان أحرقوه، "قطعوا" القرية، و"بطوا" الرجال، وأخذوهم إلى السجن، كنا نخشى فرنسا، لذلك كنا نخفي بعناية جرة (آثار) المجاهدين، من جيوش جبهة التحرير والحركة الوطنية، أنا أعتقد أن المذبحة قام بها فرنسيون أيضا، أي أنها كانت "مخلطة".

بعد المجزرة، جاءنا فرنسيون، وحطت طائرات بدوارنا، وجلبوا معهم أشخاصا من 88 دولة للتفرج على الأمر، وجاءت معهم السيدة قارة، لم يبق في الدوار غير النساء والأطفال، أعطونا القليل من الدقيق وبضعة فرنكات، وحطت السيدة قارة رحلها في الكومينال، دوارنا مات يا وليدي، واش صار فينا؟ وبعد سنوات من الاستقلال جمعونا وقطعوا عنا تلك الفرنكات.

رجائي يا ولدي هو أن يصلحوا لنا هذا الجيل على الأقل، أما جيلنا فقد ذهب، أتمنى أن تستقل فعلا الجزائر، وأن يتمتع هؤلاء الشباب بذلك، أما نحن فقد قلنا: "الله". أنا كما ترى أعيش في كوخ (حويطة)، وأكثرية العجائز عانت وماتت، ولم يبق إلا القليل، لو أنهم يعملون على إصلاح الجيل القادم فستصلح الجزائر، ربي يستركم، أما نحن يا وليدي، فقد فاتنا الزمن، وكبرنا..

كنت أيامها صغيرة، وقد تعذبت كثيرا، هذا الابن كان في بطني، وعندما ولد تركته في "الخنجة"، تخليت عنه، وقصدت الشرشارة، وهناك قلت لخالي أحمد: "لم أستطع حمل خمسة أطفال"، وعندما عدت إليه في اليوم الموالي، وجدت أنه مازال على قيد الحياة، أخذته وهربت به إلى الكدية. 

عندما التقيت لخضر بن هلال، الذي ذبح ثم نجا بأعجوبة من الموت، وضعنا بعض الحليب في فمه فخرج من رقبته، أردت أن أركب الطائرة لأهرب، فرجالنا ماتوا ولم يبق منهم أحد، لكن بن عباس والطيب بن طقيع وبوزيد أنزلوني وخاصموني.

ضي بن هروس قتل في بيته، الصديق بن يحيى أيضا قتل في بيته، لقد أحرقوا منازلهم فيما بعد، وكذا ديار علي مناد ـ عائلتي ـ أحرقوها وديار ولاد عزوز هدمتها فرنسا في معركة مهنا، وفي الأخير، لم تعطنا الجزائر أي حق (سكوت متبوع بتنهيدة). والآن، لم يظهر لنا شيء من هنا أو من هناك.. لقد قصفتنا الطائرة وقتلت منا، أنا أعتقد أن الجيش كان مختلطا، هكذا أظن، لم يبق لي من العيش الكثير، لذلك أقول ـ أمام الله ـ أن "الدعوى كانت مخلطة" (تقصد أن العملية كانت منسقة بين مهاجمين جزائريين وجنود فرنسيين)، الضحايا ماتوا ـ المساكين ـ أما نحن فقد كبرنا، ما يحز في قلبي حقا هو الرجال الذين ماتوا، لقد ترملت شابة على عدد من الأولاد، ظللت هائمة بهم، كنت قبل ذلك محجبة لا أعرف الطرقات ولا الأسواق، وقد أصبحت بعدها أدخل السوق وأتسكع، وعلى ظهري خمسة أطفال..

هل أسامحهم؟.. عليهم فقط أن يصلحوا أمر البلاد، وأن يصلحوا شؤون الشباب والتاريخ، ويعترفوا بنا شهداء، لكل منطقة شهداؤها، أما شهداؤنا فلم يظهروا، شهداؤنا لا يزالون في الزبالة؟ لماذا؟ "وعلاه؟ وكـّلوا شرّبو كافحوا"؟ لماذا ليس منا شهداء الآن؟

إذا أردتم أن تنالوا دعاء خير من المغبونات وهؤلاء الأرامل و"الهجالات"، فأظهروا تاريخنا، وشهداءنا، أما إذا بقوا في المزابل، فلا حق لنا.

أنا (بتحسر) لو كنت أعرف بوتفليقة هذا لقلت له: يا وليدي أخرج شهداءنا، لكنني لا أعرفه، أنا أرملة شهيد، ونحن ننام على الأرض كما ترى، لم يعطونا حقنا، وعندما نودع ملفات، لا نتلقى أي شيء، فقط يقولون عنا "خبثاء"، رغم أننا جاهدنا و"بطتنا" فرنسا وأحرقتنا.. لماذا لسنا شهداء؟ إننا نحن الشهداء الأحرار، ودوّارنا هو الدوار الشهيد، فوق الدواوير الأخرى. ذات مرة، جاء أحدهم يخطب فينا، فقلت له: ألم ترَ موقعة مهنا؟ ألم ترَ المدينة وهي تتهدم تحت مدافع الجيش الفرنسي؟؟ إنها معركة وقعت في بوخدي (ماي 1956)، واليوم.. لقد سلبوا منا حتى موتنا، أخذوا منا "ساحة الشهداء"، مع أننا نحن الشهداء الأحرار (تئن).

وقتها، لم تكن لدينا آلات تصوير ولا صحافة توثق، وهؤلاء الذين ماتوا دفناهم في الشعاب، والمجاهدون كانوا يختبئون عندنا، يأكلون ويشربون (والله وبيت ربي، في ذلك الوادي الرسائل جبتها في راسي، صنعوا شهداء وقالوا عنا خبثاء)، لقد مات رجالنا، ولو كان عندنا من يصور، لكنا نحن الآن الشهداء الأحرار.. يعيّرون أبناءنا ويقولون لنا في الاجتماعات: "نحن أبناء الشهداء"، وعندما أشاهد الاجتماعات، أتحسر وأقول: "عند ربي، يظهر الحق"، ولو كنت أعرف بوتفليقة لحدثته، لعله يعطيني خـْبَر، لا أعرف، ربما أنا مجنونة، لكني أعتقد أن العملية كانت بتنفيذ مزدوج، لقد جاءت فرنسا بعد المجزرة وقالت لنا: "سنأخذكم إلى فرنسا"؟ يا للسخرية، لقد كانت "تبطنا" (أي تقتلنا)، ثم تأتي بعدها وتقول لنا إنها ستأخذنا..

كنا نسكن الجبال وليس لنا من يصوّر الوقائع، لم تكن لدينا صحافة، المجاهدون سلموني وثائق، وعندما ولد نصر الدين سماه المجاهدون بهذا الاسم، فقد أعطاه أحد المجاهدين اسمه، وسلمني ورقة بها نجمة وهلال، وقالوا لي إنه بإمكاني أن أستعين بها في الاستقلال، وعندما شعرت بقدوم الفرنسيين إلى الدوار، خبأت الوثيقة تحت التراب، وقد أتلفتها الأمطار.

لم يأتنا أحد، بعد الاستقلال، جمعونا في الكومينال وانتزعوا منا الفرنكات التي كنا نأخذها شهريا، رفعنا الأعلام في الكومينال بعد الاستقلال ـ كنت يومها أما لثلاثة بنات ـ وجمعوا الأطفال (جمعهم المدعو عدنان)، وكانوا عازمين على قتلنا تلك الليلة، لكننا هربنا، لقد كان ذلك أشبه بما يحدث في فلسطين الآن، لكني رغم ذلك أحمد الله فقد استقلت الجزائر، وذهب الكفرة، وارتحنا منهم".؟

شهادة العجوز الطاوس بن زية نوكل عليكم ربي.. قولوا لبوتفليقة

عام ونصف والمجاهدون والمجاريح (الجرحى) يستقبلون في دار بن زية لخضر، الدجاج لهم، والبيض والحليب نعطيهم إياهما حتى يستعيدوا عافيتهم، وكان بن زية يقف وسط الساحة ويقول: "تبيعون الحطب وتدفعون الاشتراك"، ويوم وقعت المجزرة يا ولدي، مات معهم ولم ينج.

كنا في الدوار، والجيوش تأتينا: جيش مصالي يأتينا من جهة وجيش الجبهة من جهة أخرى، والجيشان يأكلان عندنا، فهؤلاء يقولون لنا: "أعطونا الاشتراك"، وجيش مصالي يطلب الاشتراك أيضا.. والله ثم والله لقد كنا نأكل النخالة، أما الدقيق، فكنا نحتفظ به كي نصنع لهم الكسرة والكسكسي، وعندما "وقعت الموت" يا وليدي كما ترى، إني جالسة أفترش الكتان وحالتي سيئة، عيناي كما ترى أصيبتا بالعمى، وركبتاي تعبتا، وبقينا في "القاع" على الحائط.

الثورة.. هؤلاء يأتون كلما حل شهر جديد، (تقصد جيش الحركة الوطنية،) يقولون: "أعطونا الأموال"، وهؤلاء (جيش جبهة التحرير) يأتون ويقولون: "أعطونا".. ويوم انفجر البارود لم ينصفنا أحد.

مذبحة مشتى قصبة

انفجرت في 28 ماي 1957 وقبلها بأسابيع قليلة، نشبت معركة بين جبهة التحرير والحركة الوطنية في أعالي واد تاحمامت.

في صباح 28 ماي، جاء جيش جبهة التحرير، دفعوا الأبواب، وصاح أحدهم: "أخرجوا ولكم الأمان" (وليدي راه يسالني سيدي ربي يوم نمسى وحدي)، قال لهم: "أخرجوا، ولكم الأمان، أمان الرسول، لا تخافوا فلسنا نبحث عن الشعب، بل عن بلونيس"، فنطقت قائلة: "وهل نخفي بلونيس هنا في صندوق ما بالبيت؟".. بعدها، قال لخضر بلطرش: "إذا ذهبتم فسيخرجن"، فرد أحدهم: "عليكم الأمان، عليكم دم النبي"، ثم ساقوهم.

أطلقنا وقتها المال (الغنم)، وخرجنا إلى الجبل نتابع، كانت طائرة تتبعهم، بقينا ننتظر، والمحنة في قلوبنا، بقينا ننتظر متى يعود أزواجنا، متى يعود أبناؤنا، متى يرجع آباؤنا، يا أخي عليك الأمان.. والد زوجي كان في الديار في أعلى الدوار، عندما وصلوا إليه، لاقاهم بالكسرة وإناء الحليب، وقال لهم: "نلاقيكم بالملح"، جاءوا به عندنا ثم أخذوه عندهم (تتنهد) عندما أتذكر يا وليدي أمورا عن الثورة، أفقد صبري..

قادوهم إلى فوق (المدينة: مشتى قصبة)، بقينا ننتظر متى يعودون، حل الظلام وطال انتظارنا، في الصباح، جاءت نساء نادبات خدودهن، قلن: "لقد قضوا عليهم".. إنهم حوالى .400 قتلوهم.. فيهم الراعي والمعاق والجندي.. نزلنا إلى تاقوست يوم "الموت"، وجدنا العطاطلة والمهارسية في "باب الصور"، وجدنا علي بن دحمان في باب العرايس (مدخل مشتى قصبة)، قال لنا أهربوا، لقد جاءت الجبهة، وستقضي عليكم وتلحقكم بالموتى، هربنا إلى تاقوست، ثم عدنا إلى شرشارة وعجوط، وقلنا نصعد مع من تبقى من الرجال في الصباح، وإذا كتب علينا الموت، فليكن. صعد الرجال، واستفحلنا بهم، وعندما وصلنا إلى باب المدينة يا وليدي ودخلنا (تئن أنينا طويلا وتبكي)، وجدنا الحاج سعيد، قويدر بن عمارة، محند سعداوي ورعاته، رعاة الحاج سعيد المساكين، أولاد أحمد، حتى الرعاة ماتوا معهم يا ولدي، ودخلنا.

لخضر بن هلال (أحد الناجين) وجدته أنا مع سعيد بن حضرة رحمه الله في دار قويسم، لخضر بن هلال كان متوسدا سورا، ربطت إحدى النساء رأسه بمنديل، سألته: "من أنت"؟ قال: "فلان، حشمتكم بالله اسقوني شربة ماء"، أعطينا الجرحى ماء، كان ما يندلق إلى الأرض أكثر من الذي يتمكن من المرور في حلوقهم..

نطلب من الدولة أن تنظر في حقنا وحق هؤلاء الناس الذين ماتوا في "باطل ربي" (الراعي، المهبول، الخماس، الفقير.. )، أن تنظر في حق الجميع وفي حقنا، وتخلصهم علينا هذا "الشي" الذي يجعل أيا منا يمشي ذليلا، عندما نقول إننا من الدوار الفلاني، يبادر الجميع إلى القول إننا "حركى" (تصمت).. لو كانوا فعلا حركى، فلماذا يموتون وكيف؟ يا ولدي بفضل الدولة وفضل سيدي ربي وبفضل الشهداء الذين يمشون أبدا على الحق، أن يعطوا هؤلاء الناس حقهم، ويزيلوا عنا هذا "الوسخ" المسلط علينا، إننا نطلب من دولتنا أن تنظر إلينا. لقد استقلت الجزائر، فظننا أن دولتنا ستتذكرنا، أو تسأل عنا، أو تمسح دموعنا، وأن لا نبقى في هذه الحال إلى يومنا هذا، لكن يا وليدي كنا مردومين، وكل من نقول له أعطنا وثيقة لنشتكي يقول لنا: "لن تقضوا شيئا"، هذا ما نشكوه إلى الدولة في الجزائر (الجزائر لينا وليست للقياد). يا وليدي لا أحد يعطينا الآن ورقة (كاغط) ولا أي مجرد كلام؟ لماذا نبقى بدون حق 53 سنة؟ نبكي لدولتنا ونشتكي ولا نبقى حتى اليوم، لم يزرنا أحد، ولم يطل علينا أحد، جمعوا لنا جميع الدول بعد المجزرة، ثم أعطونا فرنكات نعيش بها مدة 4 سنوات، وغداة الاستقلال انتزعوها منا، قلنا إن دولتنا تتذكرنا وتعيننا، كيف لا يحن علينا أبناء جنسنا الجزائريون؟ لكن في الاستقلال قالوا لنا: "اذهبوا ليسجلوكم".. ومن يومها قطعوا عنا منحة الإغاثة (قصوا لنا الركايب ورمونا)؟

غداة الاستقلال جمعونا في دار الحاج دحمان (جمعهم جنود لخضر حاج علي، ضابط، وجعجع عبد القادر)، من يومها بقينا لسيدي ربي، ها أنت ترى حالنا، إذا أرادت دولتنا أن ترد إلينا حقنا وتنتبه إلينا وتنزع عنا الوسخ، فنحن نقول دوما إن دولتنا لا تقتلنا، يجب أن تنتبه لنا وتزيح عنا الظلم، إننا في ظلم ولسنا في عز".

اليوم يا وليدي قد أتيتم ودخلتم على حين غرة، أنظروا إلى قطع الكتان التي أفترشها وأتغطى بها، قلت لعائلات الضحايا أن نكتب لرئيسنا، فقد سال دمنا، نكتب لرئيس الجمهورية عسى أن يحدث شيء، وهذا الكلام أرجوكم (حطوه قدام الرايس) أوصلوه إلى رئيس الجمهورية، و(نوكل عليكم الله والقصبة التي رأيتموها أن تضعوه أمام الرئيس) هذي 47 عاما عندما دخلوا قالوا عليكم الأمان، لو كانت عندنا دولة، لما بني مقام الشهيد في تلك الكدية، بل كان من المفروض أن يبنى في المدينة (مشتى قصبة).

شهادة عمر الطفل ابن السابعة

الطفل عمر بن عمر بن مصطفى ديقش، كان عمره 7 سنوات عندما شاهد فاجعة بني يلمان، كان يسكن وعائلته بالمدينة (مشتى قصبة) التي حول جنود محمدي السعيد بيوتها في 28 ماي 1957 إلى مسالخ بشرية، شهادته تؤكد فظاعة التنكيل بجثث الضحايا والطابع الهمجي للجريمة.

"كنا في 28 ماي 1957 في مشتى قصبة، ومازلت أحتفظ بالصورة حتى اليوم، خرج يومها الشعب إلى الطحطاحة، وعندما سمعنا صوت طلقات البارود من كل جهة افترقنا، كل منا ذهب في اتجاه. وعند منتصف النهار، ساقوا المواطنين (الغاشي) أمامهم، وكان الحاج سعيد يصيح وينادي: "تعالوا، سيقرأون علينا خطابا"، فذهبنا معهم بعد نداء الحاج سعيد، فتحنا البيوت، وجلست عند خالي في منزله، والجنود واقفون أمام الباب، طلب مني خالي أن أقدم الكسرة والحليب للجنود.

وعندما جلبت لهم الكسرة، شاهدت في الخارج جنودا يشحذون السكاكين، ورأيت الشعب مجتمعا عند مسجد الصديق، فجاءهم شخصان يحملان قفة، وراحوا يجمعون فيها الساعات وحافظات النقود ومختلف الأغراض. قال لي خالي: "ضع حافظة النقود في القفة". وعندما اقترب وقت المغرب، سُمع صوت إطلاق نار، نظرت من النافذة فرأيت رجلا يحترق، خرجت مسرعا فلقيت رجلين يلبسان برانس، حملني أحدهما وقتها، ورأيت رجلا يصيح، كان يجري ويصيح، وما زال كلامه يرن في أذني حتى اليوم، إنه علي بن رزايق، كان يصيح: "يا خاوتي وعلاش واش درنا؟"، (لماذا يا إخوتي؟ ماذا فعلنا؟) وأطلق عليه أحدهم النار.

وبعدها، أتوا بأخويّ: محمد المولود عام 1917 والمسعود المولود عام .1928 جاءوا بهم مكبلين. وعندما علـِق مسعود بالباب، دفعه جندي بقوة، وقال له: "امش يا خبيث". في البداية، طلبوا التفاوض مع مجموعات مكونة في كل مرة من 5 أفراد، يخرجونها تباعا لذبح أفرادها، وعندما هرب الحاج هني، هجموا على البيوت وأطلقوا النار على المواطنين الفارين من مسجد الجمع، وتم ذبح الباقين.

دامت المجزرة أكثر من ساعة، وتم التأكد من موت الضحايا باستعمال النار، وحوالي الساعة التاسعة ليلا، انتهى كل شيء، أخرجوني، وقضيت الليل عند عجوز في الحرشوشية، لم تكن المسكينة تعلم أن زوجها قتل أيضا، في الصباح، استيقظت فرأيت النسوة قادمات، وجدنا 4 جثث على السور، ثم انطلقنا إلى بيت محمود.. كانت الجثث مبعثرة، وفي وسطها جثة الشيخ عمر، 60 عاما، رأسه مهشمة بشاقور، والباقي كل مات بطريقة ما، ثم دخلت مسجد الجمعة، فرأيت الشعب مذبوحا، وعندما عدت إلى البيت وجدت بابه موصدا بـ4 جثث، كانت إحداها مطوية الرجل.

الطفل علي ديقش لا يستطيع أن ينسى صور مذبحة مشتى قصبة، فقد يومها 10 من أفراد عائلته، من بينهم أخواه محمد ومسعود وأخواله المعروفون بلقب قويسم.

معركة بوخدي قرب مشتى قصبة ماي 1956

معركة بوخدي المعروفة عند بني يلمان بـ"ضربة مهنا"، تكبدت فيها القوات الفرنسية خسائر بشرية معتبرة، معركة قامت بها فرقة من جيش الحركة الوطنيةMNA . وبعد المعركة، ضربت المدافع الفرنسية والطائرات مجموع دواوير بني يلمان وقصفت مدينة مشتى قصبة انتقاما من المواطنين، ووضع الكولونيل "آرغو" ARGOUD جثث شهداء سقطوا في المعركة فوق سقف حافلة، وعرضهم في ملوزة والمسيلة، بهدف نشر الرعب.

معركة بوخدي شارك فيها عبد الوهاب، والشهداء الذين سقطوا في تلك المعركة تم عرضهم في ساحة المسيلة، أين بصق عليهم أحد اليهود، ما أدى إلى قتله في تلك الليلة، وفرار يهود المسيلة في تلك الليلة أيضا.

يقول عبد الوهاب: كنت يومها في المدينة مشتى قصبة، وكنا نحرس لصالح الجيش، فكلما قدم إلينا قدمنا إليه الطعام وراقبنا الطريق وأعالي الجبال، جاء جيش الحركة الوطنية يوم الثلاثاء، وكان يوم سوق، وعندما كان اليهودي موريس "مكاس" السوق، من المسيلة، حاصره المجاهدون المتنكرون بزي البرانس، وعندما أعطاهم اليهودي وثيقة تثبت أنه دفع للفدائيين بالمسيلة، قالوا له: إذن، سوف لن نقتلك، ولكن لا مكس بعد الآن"، فذهب اليهودي إلى الحاكم شاكيا، وأتى العسكر الفرنسي.

عندما رأينا الجيوش آتية، تسبقها 4 سيارات جيب وطنك، انطلقت مكبرات الصوت المعلقة في السيارات تنادي في المواطنين بمواصلة نشاطهم في السوق وعدم الخوف من الفلاقة: "لا تخافوا منهم".. وكان بلونيس موجودا، وطلب من عبد القادر الوهراني، قائد جيشه، أن يهاجم سيارات الجيب.

يقول عبد الوهاب: "لأني ابن المنطقة، فقد ذهبت مع عبد القادر لأدله على مكان للتمترس نضرب منه، وعندما حط في المكان المدعو "ثنايا بن طقاع"، طلب منا أن ننصرف، ثم وزع أفراد الجيش وسط حقل قمح، ناصبا كمينا للسيارات العسكرية المارة، في انتظار عودتها، لكن جيوشا فرنسية إضافية غير متوقعة قدمت من المسيلة، وعند عودة سيارات الجيب، فتح عليهم عبد القادر النار، واستولى زملاؤه على المدفع الرشاش، وقضوا على الجميع، ثم اشتبكوا مع المدد الذي جاء من المسيلة، وشارك في المعركة محمد الوهراني، وعندما هرب المدعو عمر عبر الوادي، لبس قبعة الملازم الفرنسي الذي قتل في السيارة، وعندما لاحقه الفرنسيون، قصفتهم الطائرة خطأً، ظنا منها أنه ضابط فرنسي يلاحقه الفلاقة، وأكد عبد الوهاب أن ما يقارب 75 عسكريا فرنسيا قتلوا في معركة بوخدي، وهو رقم واقعي إذا نظرنا إلى التخطيط، وكذا رد الفعل الفرنسي من بعد، والكولونيل الفرنسي نفسه.

بعد تلك المعركة، انسحبت فرنسا من المنطقة حوالي 4 أشهر، وكانت الطائرات تحلق. وبعدها، عادت مجموعات مصالي وجبهة التحرير تتقاتل فيما بينها، قلنا لهم: "ابتعدوا عنا وتقاتلوا"، وفعلا، بعد أن أكل الجيشان عندنا، اشتبكا مجددا في واد الغلام، يومها قال لي سي ناصر: "إذهب إلى فرنسا، إذهب يا سي عبد الوهاب لئلا تموت هباء".. قالها لي سي نصر الدين، يقال إنه من العلمة، درس بتونس، ذهبت إلى فرنسا، لأعود على وقع الفاجعة.. لقد قتل في مشتى قصبة أبوه وعمه وأخوه، وبقيت النساء وحدهن في الخيام.

شهادة المجاهد عبد الوهاب

كان "عبد الوهاب بن عبد الوهاب" بفرنسا في نانتير، عندما وقعت مجزرة بني يلمان، وسمع بها هناك في الجرائد، فسارع بالعودة إلى مسقط رأسه يوم 31 ماي ليجد مشتى قصبة ـ وإن تم دفن الضحايا ـ بركة من الدماء الجافة تحت أشعة الشمس الحارة، ورائحة الجثث المتعفنة تعبق المكان، والموت يخيم على المنطقة كالسحاب..

المذبحة لم يتوقعها عبد الوهاب الذي عمل في صفوف الفدائيين المصاليين، قبل أن يتجند في جبهة التحرير، التي عينته مسؤولا على تامازرت وعجوط، ثم الشرشارة، وهو من مواليد بني يلمان، هاجر إلى فرنسا عام 1953 ثم عاد بعد 14 شهرا عندما حل جيش الحركة الوطنية في خريف 1955 بالمنطقة، ليصبح مناضلا معه، وشارك كمسؤول عن اللوجيستيك والعمليات العسكرية، وبعد أن غادرت مجموعة الحركة الوطنية MNA جاء جيش جبهة التحرير، وقام عبد الوهاب بإطعامهم، وطلب منه مسؤول الجبهة مواصلة مهامه في الجبهة كما كان يفعل مع الحركة الوطنية، وطلب منه قائد الجبهة رابح الفرطاس وسي نصر الدين (محافظ سياسي ملازم) وسي البشير، وسي رابح بلحو، الثايري (من أولاد ثاير)، محند بن عبد القادر (شهيد) وعمر ميرة (الملازم محمود) أن يواصل تماما كما كان ينشط مع الحركة الوطنية.

ونظرا لنشاط عبد الوهاب ومعرفته بالمنطقة، فقد عمل فيها بشكل نال به إعجاب وصداقة سي نصر الدين، الذي طلب منه أن يرافقه إلى سيدي إبراهيم لتجنيد الناس وجلبهم إلى جبهة التحرير. يقول عبد الوهاب في سيدي إبراهيم: "جاء رايح الثايري على فرس، فطرده سي نصر الدين، فذهب هذا الأخير إلى أولاد داغن، وفي الوقت نفسه عادت مجموعة الحركة الوطنية. وقبل المجزرة بشهرين، سأل سي نصر الدين عبد الوهاب عن عدد أطفاله، ثم أعطاه ورقة وقال له: "نحن أعطينا عهدا ويبدو أن الأمور مخدوعة"، لقد طلب مسؤول جبهة التحرير سي ناصر من عبد الوهاب أن يفر إلى فرنسا، وقد حدث ذلك فعلا، وهناك قرأ في الصحافة يوم 30 ماي خبر الفاجعة.

يقول عبد الوهاب: عدنا يوم 31 ماي فوجدنا النساء وحدهن، وقد جمعتهن فرنسا في خيام. وصلنا في الليل وحدنا، فوجدنا في انتظارنا بالبرج كولونيل، وآخرين جاؤوا في زي عسكري، كانوا حوالي 150 وقلوبهم مليئة بالغضب والحقد أمام لاإنسانية المجزرة وبشاعتها.

في عام 1958 بينما كان ينتقل بين المراكز بائعا للشعير والصوف، وجد أن تلك المراكز تحت حماية مجموعات من الحركى المسلحين، بعضهم كان يتعامل مع جبهة التحرير، حيث التقى في الطريق بطفل يحمل خبزا إلى المجاهدين، فقال له والد الطفل، وهو مسؤول حركى سيدي عيسى (معمر قبرين): "من هنا أبعث الخبز، ومن هنا الشاطر" (البندقية)، وعندما أوقفت كتيبة في عام 1958 عبد الوهاب، في الطريق، تعرّف عليه جندي، كان عبد الوهاب قد ساعده في الهروب أثناء عملية تمشيط. وعندما قدم عبد الوهاب نقودا لملازم جبهة التحرير كاشتراك، قال له هذا الأخير: "لقد منع علينا النظام المشي على تراب بني يلمان، لقد قتلهم النقيب أعراب والبريكي، أعداء الله"..

وعندما ألح عبد الوهاب، مذكرا ضابط جيش التحرير أنه كان يجمع اشتراكات للجبهة، وأنه كان مسؤولا، تركه الضابط يعود بحقيبة جلدية بها نقود، وأعطاه حوالي 30 ألف فرنك، وسأله عن عدد النساء والأطفال الذين هم تحت رعايته، وقائلا له: "أعط اليتامى هذا".

عيسى خباشة يؤلمه النكران

الذاكرة مازالت حية عند السيد عيسى خباشة، رغم سنه الذي تجاوز 88 سنة، شارك في الكفاح ضد الاستعمار الفرنسي كمناضل في الحركة من أجل انتصار الحريات الديمقراطية بالمهجر (بفرنسا)، وحمل السلاح ضد الجيش الفرنسي في منطقة بني يلمان في صفوف الحركة الوطنية (الجيش المصالي)، ثم في صفوف جبهة التحرير الوطني، عندما وصلت هذه الأخيرة إلى المنطقة، التي أصبح مسؤولا فيها عن الفدائيين.

تحمسه للنضال ضد الاستعمار من أجل انعتاق الجزائريين لم يكن وليد نوفمبر 1954 فقد شارك قبلها في مظاهرات 14 جويلية 1953 إلى جانب إخوانه في باريس حاملين العلم الوطني، تلك المظاهرات التي قمعتها قوات البوليس وقتلت فيها 7 جزائريين.

بعد انطلاق العمل المسلح في الجزائر في الفاتح من نوفمبر 1954 غادر عيسى خباشة فيدرالية حركة انتصار الحريات الديمقراطية بفرنسا، ليعود إلى الجزائر ويساهم في المجهود الحربي في منطقة بني يلمان. في البداية، وجد خباشة في ولايته بعض الخلايا المسلحة من الحركة الوطنية MNA. وفي أوت 1955 يقول خباشة: "جاءنا إلى بني يلمان جيش يقوده المدعو سي إبراهيم، بقي عندنا أياما، وكان مصحوبا بـ20 شخصا، من ونوغة، يرتدون الزي العسكري، ثم اتجه بعدها إلى ولاد تسلم (تاقديت)".

في الأشهر الأولى من عام 1956 شارك المجاهد عيسى في معركة مع الجيش الفرنسي في الطاقية (ماجينو)، المعركة حدثت بعد منع مجموعة من الفدائيين نصب السوق يوم ثلاثاء، هرب القياد وجاءت القوات الفرنسية التي اشتبك معها الفدائيون في الطاقية. بعد انسحاب جنود الحركة الوطنية وقائدهم سي إبراهيم، جاء جيش جبهة التحرير الوطني، يذكر منهم نصر الدين ورابح الفرطاس والعربي من آقبو، وأصبح عيسى خباشة مسؤولا عن الفدائيين، ويكافح الوجود الفرنسي في صفوف الجبهة كما كان يفعل في صفوف الحركة الوطنية.

في 28 ماي 1957 يقول عيسى خباشة: "عندما جاء البريكي إلى منطقتنا، هرب"، فقد في جريمة مشتى قصبة 3 أعمام وأقارب، بعد الكارثة عاد إلى فرنسا، ويقول: "منذ أن ماتوا، لم يأتنا أحد بعد الاستقلال، لم يتصل بنا أحد". ثيابه رثة، وكله أنفة، رغم سنه يحتفظ بوثائق، منها وصل اشتراك عليه طابع الحكومة المؤقتة الجزائرية.

اتصل بمناضلين عرفهم أثناء الثورة، منهم سي محمود من بجاية، عبد الرحمن ضابط شرطة بالحراش.. بعد الاستقلال يصر خباشة: "لم يتصل بنا لا الأفالان ولا الأمانا، لم يأتوا"، يضيف خباشة وعيناه توحيان بصعوبة المعيشة وشظفها والتهميش والفقر، لكن عزة نفسه منعته من الكلام عن معاناته، ومعاناة ذويه، مكتفيا بتقديم وثيقة اشتراك في الجبهة ومعلقا: "لم يزرنا أحد، لا الأفالان ولا الأمانا".

شريط المجزرة في ذاكرة الشيخ بن زية

بن زية دحمان، من مواليد .1934 مريض، متعب، وفقير، يلبس قشابية تحمل رقعا عديدة، تنبعث من عينيه صيحة نجدة ويأس. دحمان بن زية انتهكت حقوقه ودمرت أملاكه، شارك بماله وجهده في تحرير البلاد من الاستعمار، دمر الطيران الفرنسي بيته وقتل امرأة في 28 ماي 1957 ونجا بأعجوبة في مشتى قصبة، في اليوم نفسه بفعل تراكم الجثث في المدينة العتيقة فوقه، كتب رسالة لسلطات البلاد يشكو فيها وضع الغبن الذي يثقل على عائلته، مطالبا بالانتباه إلى حاله ومساعدته، باعتباره ضحية حرب، وبحكم أن الرجل كان أثناء الثورة مسبلا وفقد كل شيء تحت القمع الاستعماري.

مذبحة بني يلمان نجا منها بن زية بأعجوبة، ومات فيها أهله، يومها ـ كما يقول ـ أخذونا ونحن نتهيأ لحصاد الشعير، كانت الساعة السابعة صباحا، جمعونا في الحقل ثم جاءت الطائرة وضربت يومها بيته فهدمته، ثم ساقونا ـ يضيف بن زية ـ إلى مشتى قصبة: "كنت داخل غرفة مع 12 مواطنا، فبدأوا يطلقون النار علينا عند المغرب، لبثت تحت الجثث ولم أتحرك حتى منتصف الليل، أي بعد أن انسحبوا.. عدت إلى بيتي فوجدت الناس يبكون، رويت لهم ما حدث وبدأنا الدفن يومين بعد المجزرة، عندما جاءت فرنسا بقيت الجثث ملقاة تنبعث منها رائحة التعفن، لقد فقدت في تلك المجزرة والدي".

عاش دحمان بن زية يرعى للناس، وكانت فرنسا تساعد الناجين من عائلته بمنحة من معاش، ومنذ الاستقلال، يقول: "قصوا علينا كلشي".

بن زية لا يزال تائها حتى اليوم، يبحث عن تفسير لما حدث له ويحدث له ولأهله، صحته العقلية تبدو على ما يرام، ومازال مقتنعا حتى اليوم أن المجزرة من فعل الاستعمار الفرنسي، والرسالة التي مازال يبعث بها إلى الدولة ـ باعتباره كان مسبلا يطلب الاعتراف بحقه ـ تلخص حالته المادية والنفسية.